علِمت مارغوليس أنه هناك علماء اقترحوا سابقًا فرضيات مشابه لفرضية التعايش الداخلي وتم السخرية منهم لذلك. لماذا لم تحض النظرية أبدًا بالقبول سابقًا؟ في العلم، يمكن أن تُرفض الأفكار للعديد من الأسباب، ومعظم هذه الأسباب تنطبق على فرضية التعايش الداخلي: 1- نقص الأدلة يبذل العلماء ما في وسعهم لفحص أدلة كل شيء، حتى الأشياء التي تبدو واضحة. هذا يعني أن الفكرة العلمية يجب أن تكون أكثر من مجرد فكرة معقولة لتحظى بالقبول، فيجب أن تكون مختبرة ومدعومة بأدلة مصدرها أنواع مختلفة من الإختبارات وأحيانًا اختبارات من حقول معرفية مختلفة. حاول علماء سابقون فحص نظرية التعايش الداخلي، لكن لم يكن بحوزتهم التكنولوجيا اللازمة لتصميم اختبارٍ عادل لفحص الفكرة -- لذلك ببساطة لم يكن هناك أدلة قوية لدعم الفكرة. بالطبع، الميتوكندريا تشبه البكتيريا كثيرًا، لكن ذلك الشبه لم يكن كافيًا لإقناع العلماء بأنها كانت بكتيريا في الماضي.

2- عدم التوافق مع نظريةٍ مقبولةٍ كان العديد من العلماء متشككين بفرضية التعايش الداخلي لأنها لم تكن متوافقة مع الفهم السائد لنظرية التطور في ذلك الوقت. إكتشف علماء الأحياء بين عام 1900 و 1950 العديد من الإكتشافات المفصلية في حقل الجينات عن طريق التركيز على التغيرات الصغيرة في الحمض النووي -الطفرات- التي تقع عندما تتكاثر الخلية. كانت هذه الأخطاء الجينية بوضوح آلية مهمة للتطور، وإعتقد العديد من العلماء أن التطور حصل نتيجة لمراكمة العديد من الطفرات الصغيرة عبر الزمن. مع ذلك، إقترحت الفرضية الجديدة إمكانية حدوث تقدم كبير في عملية التطور عبر [1] التكافل symbiosis، وهو ليس تغيير بطيء وثابت عبر الطفرات الصغيرة. بدت نظرية التعايش الداخلي في أول مرة وكأنها لا تتناسب مع ما إعتقده علماء ذلك العصر حسب فهمهم لكيفية عمل التطور.
3- أبسط تفسير(parsimony)
العلماء من الأرجح أكثر يقبلوا النظريات الأكثر بساطة من النظريات الأكثر تعقيدًا. قبول الفكرة الجديدة سيجعل من النظرية التطورية أكثر تعقيدًا. بدل اقتراح آلية واحدة رئيسة (تراكم الطفرات الصغيرة عبر الزمن)، يجب على النظرية إشراك التكافل كآلية إضافية للتغير التطوري. لم يرى العلماء سببًا للبحث عن طريقة جديدة لتفسير التغير التطوري لأن الطريقة القديمة لديها الكثير من الأدلة لدعمها وبدت كأنها فسّرت معظم ما رصده العلماء. كان يلزم المزيد من الأدلة لإقناعهم أن النظرية التطورية عليها أن تفسح مجالا جديدا لآلية تغيير إضافية. 4- التحيز Biases يبذل العلماء جهدهم للعمل بموضوعية، لكنهم ما يزالون بشرًا و معرّضين للتحيز مثل أي شخص. في هذه الحالة، كان للعلماء تحيزان كبيران لوّثا ردة فعلهم اتجاه فرضية التعايش الداخلي. أولًا، التطور منذ أيّام داروين كان يتعلق بالمنافسة بين المخلوقات التي تتقاتل لأجل المكان، الأزواج، و الطعام. لكن نظرية التعايش الداخلي ركّزت على التعاون. لم تقل النظرية التطورية بأن التعاون لا يكمن أن يحصل، لكن لم يكن العلماء معتادين على فكرة أن التطور يمكن أن يحدث نتيجةً لكائنين يعملان مع بعضهما.
المنافسة -- تناطح كباش الجبال الصخرية (يسارا) -- و تعاون -- سمكة المهرج تبحث عن الحماية بين مجسات شقائق النعمان (يمينا).
ثانيًا، معظم العلماء الذين يعملون في أبحاث التطور في ذلك الوقت عملوا مع حيوانات كبيرة نسبيا -- ذبابة الفاكهة، والفئران -- وليس مع الكائنات الدقيقة مثل أميبا مارغوليس. كانت فكرة عيش كائن حي داخل آخر مألوفة لدى العلماء الذين عملوا مع الكائنات الدقيقة، لكن هؤلاء الذين يعملون مع الحيوانات رأوا القليل من الأمثلة على التعايش الداخلي. نعلم اليوم التعايش الداخلي شائع حتى في الحيوانات المعقدة متعددة الخلايا (مثل الطحالب التي تعيش في المحّار العملاق وتؤدي البناء الضوئي)، لكن في ذلك الوقت، افترض العلماء الذين يعملون مع الحيوانات الكبيرة أنه نادر جدًا. واجه هؤلاء العلماء مشكلة في قبول الفرضية لأنهم لم يكونوا معتادين على التعايش الداخلي في الحيوانات التي درسوها.
بالطبع لا تفوز الأفكار العلمية الجديدة دائمًا بشكل مباشر. هذا النوع من المقاومة يمكن أن يبطئ سير العلم، لكنه أيضًا مفيد للتأكد من أن كل فكرة جديدة فُحصت بشكل كامل قبل قبولها. فعلت مارغوليس ما بوسعها في أول مرة تنشر فيها عن الفرضية لشرح كل الاختبارات التي تمت على النظرية والاختبارات التي تنتظر التنفيذ. _________________ [1]التكافل symbiosis: الارتباط الوثيق بين نوعين مختلفين من الكائنات بما يعود بالنفع على كل منهما (المترجم)








No comments:

Post a Comment